"من يرى الخطأ تطوراً لا يعرف الفرق بينهما" - موقع أدب عربي -->
موقع أدب عربي موقع أدب عربي

جديد الموقع

"من يرى الخطأ تطوراً لا يعرف الفرق بينهما"


وليس منا من ينكر أن اللغة كائن حيّ يسري عليه ما يسري على الأحياء من سنن التطور.
وليس منا من ينكر أن عربية اليوم على ألسن العرب وأقلامهم ليست كعربية الأمس في كثير من معاني ألفاظ وأساليب صياغتها.
ولكن منا أيضاً من يريدون أن تبقى العربية عربية بخصائصها الأصلية وجوهرها، وأن يكون تطورها كتطور الكائنات الحية! تتطور في كثير من صفاتها ومظاهرها، ولكنها لا تتطور بصفاتها التي هي بها وحدها كائن حي، إنه التطور الذي يكفل استمرار الحياة والمحافظة على النوع، إن المواليد المشوّهة مهما تكثر ومهما نبذل لها من الرعاية لا يمكن أن نعدّها تطوراً نحو الإنسان الجديد ونشجع على الإكثار منها، وكذلك شأن اللغة فيها الجديد تطوراً وفيها الجديد المشوّه، والتنبيه على الفصل بين الأمرين واجب لا يجوز التساهل فيه ولو تساهل فيه المفتون، ولكن أرأيت لو سُمِّي عدد من الناس بالأطباء فاجتمعوا وأقرّوا الشكل الجديد للمواليد المشوّهة أكان يسري على الناس رأيهم لمجرَّد أنهم سُمّوا بالأطباء؟!
إنَّ كثيراً ممن يكتبون اليوم في ميدان اللغة مجاملون، وإن بعض الفتاوى اللغوية التي تصدر اليوم قد سبق أن نبّه عليه شيوخ اللغة في الجيل الماضي وحذَّروا منه.
إنَّ للغة نظامها ومقاييسها ولها حركتها وحيويتها، ولا يصح أن نقتل حركته، ونشل تطورها باسم المحافظة عليها، كما لا يجوز أن تخرج على كل نظام، ونرفض كل قياس باسم التطور.
قانون يحمي الخطأ !!
وليس مقياساً صحيحاً أبداً في مجال اللغة أن يصبح للخطأ الشائع قانون يحميه.
وما أجمل ما رواه ابن سلاّم حين قال: قال قائل لخلف: إذا سمعت أنا بالشعر أستحسنه فما أبالي ما قلت أنت فيه وأصحابك، قال: إذا أخذت درهماً فاستحسنته، فقال لك الصرّاف: إنه رديءٌ، فهل ينفعك استحسانك إيّاه؟!
إنَّ شرّ ما تبتلى به المجتمعات والأمم أن يصبح فيها للخطأ قانون يحميه، ففي كل مجتمع شذوذ واستقامة، فساد وصلاح، خطأ وصواب، ويبقى المجتمع مع ذلك بخير وعافية إذا بقي الحكم على الفساد والشذوذ والخطأ بأنه انحراف عن الجادّة وخروج عن الصواب.
ولكن البلية أن يكثر الخطأ ويشيع وأن يستمرئه الناس ويألفوه، ثم تأتي الطامّة فيصبح أمراً يحميه القانون!
وقل مثال ذلك في كثير من الأمور التي كان الناس ينظرون إليها على أنها منكرة أو شاذة أو مخالفة، سواء في الدين أو الأخلاق أو الاقتصاد، ثم لم تلبث أن عمّت وشاعت، فصدرت لها التشريعات التي تحميها، والأمثلة على ذلك كثيرة في مجتمعات الشرق والغرب.
وليست اللغة إلا أمراً من هذه الأمور التي وقع فيها الخطأ، ثم شاع وانتشر حتى أصبح الخطأ مشهوراً، وبات الصواب مهجوراً، وكان من واجب المختصين أن ينبِّهوا على الخطأ ويطالبوا بالعودة إلى الصواب... وهم حين يعلنون الحق لا يضيرهم أن ينعتوا بالمحافظة أو غيرها من حديث «الألقاب».
من مقال : اللغة بين التطور المفروض و الخطأ المرفوض
أ.د.مازن المبارك

عن الكاتب

موقع أدب عربي

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

موقع أدب عربي