الرافعي لـ محمود محمد شاكر - موقع أدب عربي -->
موقع أدب عربي موقع أدب عربي

جديد الموقع

الرافعي لـ محمود محمد شاكر





رحمة الله عليك ! رحمة الله عليكَ !
رحمة الله لقلب حزين ، وكبد مَصدُوعة!
* * *
لم أَفْقدكَ أيها الحبيبُ ، لكنِّي فَقَدْتُ قَلْبي
كنتَ لي أملا أستمسِكُ به كلَّما تقطَّعت آمالي في الحياة .
كُنتَ راحةَ قلبي كلَّما اضطَرَبَ القلبُ في العناء
كنتَ الينبوعَ الرويَّ كلما ظمىء القلب وأحرقهُ الصدى .كنتَ فجراً يتبلَّج نورُه في قلبي وتتنفس نسماتِهِ ، فوجدتُ قلبي .. إذ وجدتٌ علاقتي بكَ .
لم أفقِدك أيها الحبيب ، ولكني فقدتًُ قلبي .
* * *
جزعي عليك يُمسِك لساني أن يقول ، ويُرسلُ دمعي ليتكلَّم . والأحزانُ تجد الدمع الذي تذوب فيه لتهُون وتضَّاءَل، ولَكِنَّ أحزاني عليك تجدُ الدمع تَروى منه لتنمو وتنتشِر .
وليسَ في قلبي مكانٌ لم يرِف عليهِ حبي لك وهواي فيك ، فليس في القلب مكان لم يحرقه حزني فيك وجَزَعي عليك .
هذه دموعي تترجم أحزان قلبي ، ولكنها دموعٌ لا تحسن تتكلّم .
* * *
[الصفحة 5]
عِشتُ بنفسٍ مُجدِبةٍ قد انصرَفَ عنها الخِصبُ ، ثم رَحِمَ الله نفسي بزهرتين ، ترِفَّانِ نضرة ورِواء .
كنت أجد في أنفاسهما ثروة الروضةِ المُمْرِعَةِ فلا أحِسُّ قفر الجَدْبِ !.
أما إحداهما فقد قطفتها حقيقة الحياة ، وأما الأخرى فانتزعتها حقيقَةُ الموتِ، وبقيتْ نفسي مجدبة تستشعر ذل الفقرِ .
* * *
تحت الثَّرَى .. عليك رحمة الله التي وسعت كلَّ شيءٍ ، وفوق الثرى … علي أحزان قلبي التي ضاقت بكل شيء ؛ تحت الثرى تَتَجدَّدُ عليكَ أفراحُ الجنة ؛ وفوق الثرى تتقادم عليَّ أحزان الأرض !
تحتَ الثرى تتراءى لروحِكَ كلُّ حقائق الخلود.
وفوق الثرى تتراءى لروحي كل حقائِقِ الموتِ .
لم أفقدك أيها الحبيب ، ولكني فقدت قلْبي .
* * *
حضرَ أجلك فحضرتني همومي وآلامي .
فبين ضلوعي مأتَمٌ قد اجتمعت فيه أحزاني للبكاءِ وفي روحي جنازةٌ قد تهيأت لتسير ؛ وعواطفي تشيِّعُ الميتَ الحبيب مطرقة صامتة ؛ والجنازة كلها في دمي – في طريقها إلى القبر وفي القلب … وفي القلبِ تُحفر القبور العزيزة التي لا تنسى .
* * *
وفي القلب يجد الحبيب روحَ الحياة وقد فرغ من الحياةِ ؛ وتجد الروحُ أحبابَها وقد نأى جثمانُها .
في قلبي تَجِدُ الملائكةُ مكانا طهَّرتْهُ الأحزانُ من رجسِ اللَّذاتِ .
وتجد أجنحتُها الروح الذي تهفهف عليه وتتحفَّى بِهِ .
هنا … في القلبِ ، تتنزل رحمة الله على أحبابي وأحزاني ففي القلب تعيش الأرواحُ الحبيبةُ الخالدة التي لا تَفنى ، وفي القلبِ تحفر القبور العزيزة التي لا تنسى .
* * *
[الصفحة 6]
لم تُبقِ لي بعدكَ أيها الحبيب إلا الشوقَ إلى لقائكَ
فقدتك وَحدي إذ فقدك الناسُ جميعا .
سما بك فرحُك بالله وقعدت بي أحزاني عليك .
لقد وجدتَ الأنس في جوار ربكَ ، فوجدت الوحشة في جوار الناس .
لم أفقدك أيها الحبيبُ ، ولكني فقدت قلبي .
لم تُبقِ لي بعدك إلا الشوق إلى لقائك .
رحمة الله عليك ، رحمة الله عليك !.
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرسالة، السنة الخامسة (العدد 202)ـ 1973.

عن الكاتب

Adab Multzem

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

موقع أدب عربي